عَلَامَاتِ الْتَّرْقِيْمِ لاتُعْتَبّرِ حُرُوْفٌ وَهِيَ غَيْرُ مَنْطُوْقَةٌ . تَخْتَلِفُ اسْتِخُدَامَاتِ عَلَامَاتِ الْتَّرْقِيْمِ وَقَوَاعِدُهَا حَسَبَ الْلُّغَةِ وَأَيْضَا تَطَوُّرٍ تِلْكَ الْلُّغَةِ عَبْرَ الْزَمَنْ، وَمَنْ الِاسْتِخْدَامَاتُ الْشَّائِعَةِ لِعَلَامَاتِ الْتَّرْقِيْمِ فِيْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ : الْفِصَلِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْحَدِيْثِ وَالْمَعَانِيْ، تَحْدِيْدِ مَوَاقِعٌ الْوُقُوْفِ فِيْ النَّصِّ، الأَقْتِبَّاسِ الْنَّصِّيِّ، إِظْهَارِ الْتَّعَجُّبِ أَوْ الاسْتِفْهَامُ وَتَّحْدِيْدِ عَلَاقَةٌ الْجُمَّلِ بِبَعْضِهَا …
وَ عَلَامَاتِ الْتَّرْقِيْمِ أَحَدَ عَشَرَ عَلَامَةً هِيَ:
الْفَاصِلَةِ
وَعَلَامَتُهَا ()
مَوْضِعِهَا :
أَ ـ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَّصِلَةِ الْمَعْنَىْ :
مِثْلَ : أَوْحَدَ الْعِرَاقَ فِيْ الْبَلَاغَةِ، وَمِنْ بِهِ تُثْنَى الْخَنَاصِرُ فِيْ الْكِتَابَةِ، وَتَتَّفِقُ الْشَّهَادَاتِ لَهُ بِبُلُوْغِ الْغَايَةِ، مِنْ الْبَرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ {1} .
بِ ـ بَيْنَ الْمُفْرَدَاتِ الْمَعْطُوْفَةُ إِذَا قَصُرَتْ عِبَارَاتِهَا، وَأَفَادَتْ تَقْسِيْما أَوْ تَنْوِيْعِا .
مِثْلَ : يَنْقَسِمُ الْكَلَامِ إِلَىَ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ : اسْمَ، وَفَعَلَ، وَحَرْفٌ.
جَ ـ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَعْطُوْفَةُ الْقَصِيْرَةِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مِنْهَا لِغَرَضِ خَاصٍّ .
وَ تَكُوْنُ فِيْ الْوَقْفِ الْنَّاقِصُ : وَهُوَ الْوَقْفِ الَّذِيْ يَكُوْنُ بِسُكُوْتٍ الْمُتَكَلِّمٌ، أَوْ الْقَارِئُ سُكُوْتا قَلِيْلا جِدا، لَا يُحْسِنُ مَعَهُ الْتَّنَفُّسُ .
الْفَاصِلَةُ الْمَنْقُوْطَةُ
وَعَلَامَتُهَا ( )
مَوْضِعِهَا :
ا ـ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا سَبَبُ فِيْ حُدُوْثِ الْأُخْرَى .
مِثْلَ : خَيْرٌ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ ؛ وَلَمْ يَطُلِ فَيُمِلَّ .
وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِىِّ بْنِ أَبِىْ طَالِبٍ : ” أَمَّا الْإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيْهَا الْتَّقِيُّ ؛ وَأَمَّا الْإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيْهَا الْشَّقِيُّ ؛ إِلَىَ أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ ” .
بِ ـ قَبْلَ الْمُفْرَدَاتِ الْمَعْطُوْفَةُ الَّتِيْ بَيَّنَهَا مُقَارَنَةِ، أَوْ مُشَابَهَةِ، أَوْ تَقْسِيْمِ، أَوْ تَرْتِيْبُ، أَوْ تَفْصِيْلُ .
مِثْلَ : اغْنَمْ خَمْسا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابِكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ؛ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ؛ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ؛ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ؛ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ .
جَ ـ قَبْلَ الْجُمْلَةِ الْمُوَضِّحَةِ لِمَا قَبْلَهَا .
كَقَوْلِهِ تَعَالَىْ : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْنَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ ؛ يَعْلَمُوْنَ ظَاهِرا مّنَ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا } 6، 7 الْرُّوْمُ .
وَ تَكُوْنُ فِيْ الْوَقْفِ الْكَافِيْ، وَهُوَ الْوَقْفِ الَّذِيْ يَكُوْنُ بِسُكُوْتٍ الْمُتَكَلِّمٌ، أَوْ الْقَارِئُ سُكُوْتا يَجُوْزُ مَعَهُ الْتَّنَفُّسُ .
الْنُّقْطَةُ
وَعَلَامَتُهَا ( )
مَوْضِعِهَا :
تُوْضَعُ فِيْ نِهَايَةِ الْكَلَامِ، لِلْدَّلَالَةِ عَلَىَ تَمَامِ الْمَعْنَىْ، وَاسْتِقْلَالِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا مَعْنَىً وَإِعْرَابا .
كَقَوْلِ عَلِيٍّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ فِيْ الْزَّكَاةِ : ” فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ الْنَّفْسِ بِهَا، فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَمِنَ الْنَّارِ حَاجِزا وَوِقَايَةً، فَلَا يَتْبَعُهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَلَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ ” .
وَ تَكُوْنُ فِيْ الْوَقْفِ الْتَّامِّ، وَهُوَ سُكُّوتَ الْمُتَكَلِّمٌ، أَوْ الْقَارِئُ سُكُوْتا تَاما، مَعَ اسْتِرَاحَةٍ لِلْتَّنَفُّسِ .
عَلَامَةً الْتَّعَجُّبِ
وَعَلَامَتُهَا ( )
مَوْضِعِهَا : ـ
تُوْضَعُ فِيْ آَخِرِ الْكَلَامِ الَّذِيْ يَدُلُّ عَلَىَ مَعْنَىً الْتَّأَثُّرِ وَالْدَّهْشَةُ، وَالاسْتِغُرَابِ وَالْإِغْرَاءُ، وَالتَّحْذِيْرُ وَالْتَأّسِّفُ وَالْدُّعَاءِ .
مِثْلَ : لِلَّهِ أَنْتُمْ ! أَمَا دِيْنٌ يَجْمَعُكُمْ ! وَلَا حَمِيَّةَ تَشْحَذُكُمْ ! .
وَمِنْهُ قَوْلُ الْشَّاعِرِ :
هِيَ الْدُّنْيَا تَقُوْلُ بِمِلْءِ فِيْهَا حَذَارِ حَذَارِ مِنَ بَطْشِي وَفَتْكِيْ !
وَمَثَلُ : ” هَيْهَاتَ أَنْ يَأْتِ الْزَّمَانِ بِمِثْلِهِ ! ”
الْنُّقْطَتَانِ
وَعَلَامَتُهَا ( )
مَوْضِعِهَا :
تُوْضَعُ بَعْدَ الْقَوْلِ، أَوْ الْكَلَامَ الْمَنْقُوْلَ، أَوْ الْمُقْسِمِ أَوْ الْمُجْمَلِ بَعْدَ تَفْصِيْلٍ، أَوْ الْمَفْصِلِ بَعْدَ إِجْمَالٍ .
كَقَوْلِهِ تَعَالَىْ : { قَالَ : إِنِّيَ عَبْدُ الْلَّهِ } 30 مَرْيَمَ .
وَمَثَلُ : رُوِيَ عَنْ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِيْ قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَمَثَلُ : الْدُّنْيَا يَوْمَانِ : يَوْمٍ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ .
وَمَثَلُ : الْعَقْلِ، وَالْصِّحَّةِ، وَالْمَالِ، وَالْبَنُوْنَ : تِلْكَ هِيَ الْنِّعَمُ الَّتِيْ لَا يُحْصَى شُكْرِهَا.
عَلَامَةً الِاسْتِفْهَامِ
وَعَلَامَتُهَا ( )
مَوْضِعِهَا :
تُوْضَعُ فِيْ نِهَايَةِ الْجُمْلَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَبْدُوْءَةً بِحَرْفٍ اسْتِفْهَامٍ أَمْ لَا .
كَقَوْلِهِ تَعَالَىْ : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ؟ } 103 الْكَهْفِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَىْ : { أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوْسُفُ ؟ } 90 يُوَسُفَ .
عَلَامَتَا التَّنْصِيَصَوَعَلامَتِهَا “ “ وَ تَعْرِفُ عَلَامَتَا الْتَنْصِيصْ بِالْتَّضْبِيْبِ أَيْضا، وَهُمَا ضِبَتَانَ يُوْضَعُ بَيْنَهُمَا مَا يُنْقَلُ بِنَصِّهِ مِنْ الْكَلَامِ .
مِثْلَ : أَوْصَى عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ لِأَبِىٓ مُوْسَىْ الْأَشْعَرِيِّ بِوَصِيَّةٍ جَاءَ فِيْهَا ” الْبَيِّنَةَ عَلَىَ مِنْ ادَّعَى وَالْيَمِيْنُ عَلَىَ مَنْ أَنْكَرَ ”.
وَ تَكُوْنُ لِلْدَّلَالَةِ عَلَىَ الْجَمَلِ الاسْتِفْهَامِيَّةِ .
نُقَطْ الْحَذْفُ
وَعَلَامَتُهَا ( )
مَوْضِعِهَا :
تُوْضَعُ هَذِهِ الْنَقُّطِ الثَّلَاثِ لِلْدَّلَالَةِ عَلَىَ أَنَّ فِيْ مَوْضِعِهَا كَلَاما مَحْذُوفا .
وَذَلِكَ كَأَنْ يُسْتَشْهَدُ كَاتِبٌ بِعِبَارَةٍ مَا، وَأَرَادَ أَنْ يُحْذَفَ مِنْهَا بَعْضُ الْكَلِمَاتِ، أَوْ الْجُمَلِ الَّتِي لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا .
مِثْلَ : لَوْ اقْتَصَرَ الْنَاسْ عَلَىَ كُتُبِ الْقُدَمَاءِ لَضَاعَ عِلْمٍ كَثِيْرٍ، وَلَذَهَبَ أَدَبٍ غَزِيْرٌ، وَلَضَلَّتِ أَفْهَامِ ثَاقِبَةِ … وَلَمَجَّتِ الْأَسْمَاعِ كُلِّ مُرَدَّدٍ مُكَرَّرٌ .
الْشُّرْطَةِ
وَعَلَامَتُهَا ()
مَوْضِعِهَا :
تُوْضَعُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ كَلَامِ الْمُتَخَاطِبَيْنِ فِيْ حَالَةِ الْمُحَاوَرَةُ، وَتُوْضَعُ بَعْدَ الْعَدَدِ فِيْ أَوَّلِ الْسَّطْرِ .
مِثْلَ : طَلَبَ بَعْضُ الْمُلُوْكِ كَاتِبا لِخِدْمَتِهِ . فَقَالَ لِلْمَلِكِ : أَصْحَبُكَ عَلَىَ ثَلَاثٍ خِصَالٍ .
ـ مَا هِيَ ؟
ـ لَا تَهْتِكْ لِيَ سِتْرا، وَلَا تَشْتِمِ لِيَ عَرْضا، وَلَا تُقْبَلُ فَيَّ قَوْلَ قَائِلٌ .
ـ هَذِهِ لَكَ عِنْدِيْ . فَمَا لِيَ عِنْدَكَ ؟
ـ لَا أُفْشِيَ لَكِ سِرا، وَلَا أُؤَخِّرَ عَنْكَ نَصِيْحَةٌ، لَا أُؤْثِرُ عَلَيْكَ أَحَدا .
ـ نِعْمَ الصَّاحِبُ الْمُسْتَصْحَبُ، أَنْتَ ! .
الْشَّرْطَتَانِ
وَعَلَامَتُهَا ( )
تُوْضَعُ بَيْنَهُمَا الْجُمَلِ الاعْتِرَاضِيَّةِ، فَيَتَّصِلُ مَا قَبْلَ الْشُّرْطَةِ الْأُوْلَىْ بِمَا بَعْدَ الْشُّرْطَةِ الْثَانِيَةُ فِيْ الْمَعْنَىْ .
كَقَوْلِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ ـ : ” فَيَا عَجَبا : عَجَبا ـ وَالْلَّهُ ـ يُمِيْتُ الْقَلْبَ ” .
وَكَقَوْلِ أَبِيْ إِسْحَاقَ الْصَابِيْ : ” قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ ـ أَطَالَ الْلَّهُ بَقَاءَ الْأَمِيرِ ـ بِالتَمْهِيدُ لِلْحَاجَةِ قَبْلَ مَوْرِدُهَا وَإِسُلَافَ الْظُّنُوْنِ الْدَّاعِيَةِ إِلَىَ نَجَاحِهَا ” .
الْقَوْسَانِ
وَعَلَامَتُهَا
تُوْضَعُ بَيْنَهُمَا كُلٍّ كَلِمَةُ تَفْسِيْرِيَّةً، أَوْ كُلَّ جُمْلَةٍ مُعْتَرِضَةٌ لَا تَرْتَبِطُ مَعَ غَيْرِهَا فِيْ سِيَاقِ الْمَعْنَىْ، أَوْ كُلُّ عِبَارَةٍ يُرَادُ لَفَتَ الْنَظَرَ إِلَيْهَا .
مِثْلَ : قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ ( صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : ” الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضا ” .
وَمَثَلُ : جُدَّةَ ( بِضَمِّ الْجِيْم وَكَسْرِهَا ) مَدِيْنَةِ عَلَىَ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ .
وَمَثَلُ : بَيْنَ جَوْرِ وَشِيْرَازَ ( وَهِيَ قَصَبَةُ فَارِسَ ) عِشْرُوْنَ فَرْسَخا .
وَصَلَّىَ الْلَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَىَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.