مقدمة:
قاال كاتب الموضوع :
كنت أَحضر مؤتمرًا دوليًّا حول الإعلام، وخلال إحدى المداخلات قال أحد المتحدثين الإعلاميين:
الإعلام صناعة أوروربية.
فاستغربت كلامه هذا، ولو أنه قال: إن تطور وسائل الإعلام صناعة أوروبية لكان في هذا كلام
، أما أنْ يجعل الإعلام كلَّه صناعةً أوروبيةً، كصناعة الطائرات مثلاً، فهذا موضع نقاش، وقد تذكرت قوله تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ ُُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ُُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1 – 3]، فالله – سبحانه – الذي منحَنا القرآن منهجًا لحياتنا، كان قد منحنا البيان مِن قَبل، وذلك بعد عملية الخلق، ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾.
وعليه؛ فالبيان هو سبيلنا لفهم كتب الله ومراده من خلقه، والتعرف عليه سبحانه، والقيام بحقوقه، ثم هو وسيلتنا للتعايش مع الآخر، وقد قدم الله – تعالى – تعليم القرآن على خلق الإنسان؛ لأن الغايات والكمالات – وإن تأخَّرت وُجودًا – فهي متقدمةٌ رتبةً.
فالبيان وُجِد مع الإنسان مُذْ وجد، وليس كما يزعم أصحاب النظرية التطورية، بأنه كان أبكمَ وتعلَّم الأصوات من مظاهر الطبيعيَّة، كالرياح والرعد، أو من محاكاة أصوات الحيوانات.
والعرب – أُمَّة الكلام الرائع – تُمجِّد الإعلام، وتحتفي بالشعراء والخطباء والبلغاء في جاهليتها وإسلامها، فكيف لنا أن نقول: إن صناعة الإعلام وُجدت في العصر الحديث؟! وكم تحدثَّتِ العربُ عن حسن اختيار الرسل في آدابها وفن الخطاب، وكانوا يراعون أحوال الأقوام الذين يخاطبونهم، وقد اختار الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – دِحْيَةَ الكَلْبِيَّ – وكان مِن أجمل الصحابة – ليحمل رسالته إلى هرقل عظيم الروم، وقد كان الروم يهتمون بالجمال!
ثم عُدْتُ أتأمَّل: كم في القرآن مِن مواقف إعلامية وقواعد تخاطبية غفل عنها كثير من الباحثين، فهنالك حوار الرسل مع أقوامهم، وهنالك الإعلام الفرعوني، والإعلام الملكي، والإعلام الإنساني، والإعلام الإيماني، وغير ذلك.
وقد استوقفني من ذلك كلِّه مواقفُ عدَّةٌ، منها قصة الهدهد مع سيدنا ط³ظ„ظٹظ…ط§ظ† – عليه السلام – فوجدت في خطاب الهدهد قواعدَ هامَّةً للعملية الإعلامية، وعليه كان هذا المقال للتنويه بها:
القصة كما وردت في سورة النمل:
﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ُُ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ُُ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ُُ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ُُ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ُُ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ُُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ُُ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ُُ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ُُ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ُُ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ُُ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ُُ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ُُ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ُُ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ُُ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل : 20 – 35].
تأملات عامة في هذا المقطع:
تابع