تخطى إلى المحتوى

الثقافة العلمية في الوطن العربي 2024

الثقافة ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† العربي

د. غازي حاتميُقصد بالثقافة ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© تبسيط العلوم (Popularization of science) وجعلها في متناول عامة الناس من خلال المجلات المتخصصة بهذا النوع من ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© أو المجلات و الصحف التي تفرد زوايا لهذا المجال، أو عن طريق الإذاعة والتلفاز والمنتديات والجمعيات المهتمة بهذا الموضوع. وذلك دون الاستهتار بالفكر العلمي الحقيقي والبحث العلمي الجاد الذي يكشف هذه المعلومات فتكتمل مسيرة المعرفة نتيجة إبداع وتميز بعض المختصين في مجالات العلوم كافة.
ويكثر الحديث عن ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في هذه الأيام بسبب وجود فارق كبير بين معرفة المتخصص في مجال عمل محدد ومعرفة عامة الناس أو المتخصص في مجالات أخرى للاختصاص المحدد، وبالتالي قلة المعرفة ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© والوعي العلمي لما يحدث حولنا من اكتشافات بارزة وجهل للكثير من الظواهر والإنجازات العلمية. وذلك بسبب عدم القدرة على نقل هذه المعلومات بشكل مبسط ومقبول، أو بسبب سوء التعليم وأسلوب التلقين الببغائي الذي ما زال شائعاً في العديد من دول العالم، ولاسيما في الدول النامية، أو بسبب عدم التعود على التفكير العلمي الصحيح وعلى حبّ الاستطلاع والمعرفة الذاتية.
قراء متنوعون للثقافة العلمية
وبالرغم من أن عدد قراء ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© محدود مقارنة مع عدد قراء بعض الاختصاصات الأخرى، إلا أنه يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: قراء هادفون كأن يقوم بعض الجامعيين بمتابعة المقالات الخاصة بمجالات اختصاصهم، فالأطباء يقرأون المجلات الطبية والبيولوجية والصحية بشكل عام، والفيزيائيون يقرأون المجلات الفيزيائية المتنوعة المتعلقة بالذرة والمادة والأشعة وعلم الفلك.
الصنف الثاني: قراء متنوعو ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© كأن يقرأ الفيزيائي أو الطبيب مواداً علمية وأدبية واجتماعية في نفس الوقت. وقد يبرز في اختصاص ما غير اختصاصه الحقيقي.
الصنف الثالث: قراء غير هادفين، يقرأون ما يقع تحت أيديهم لملء الفراغ وإضاعة الوقت، في المجالات الطبية والفيزيائية والبيولوجية والمعلوماتية. بالرغم من أن استيعابهم يكون قليلاً والفائدة محدودة أيضاً.
تياران معارضان
وليس مفهوم ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© الشعبية أو تعميم ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© مفهوماً حديثاً في هذا القرن أو في أواخر القرن الماضي، بل يعود لفترة أطول حيث بدأ التداول فيه في فرنسا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وينقسم الناس بين مؤيدين للثقافة الشعبية ومعارضين لها، فالمؤيدون يرون ضرورة تعميم ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© على كافة فئات الشعب وبأسهل الطرق، وهم يوتوبيون يشددون على أهمية تسهيل العلوم وتبسيطها ويركزون على القيام بذلك من قبل متخصصين، لأن الكثير من الصحفيين غير المتخصصين لا يملكون قدرة على التعبير بشكل سليم عن مواضيع علمية متخصصة، وهذا ما يجعل إمكانية تكرار الأخطاء واضحًا، وخاصة عندما يستخدمون مصطلحات علمية غير مناسبة أو اصطلاحات مترجمة عن لغة وسيطة لا يتقنوها. أما المعارضون فيرون أن الكتابة في هذا المجال هو عمل مضيع لوقت الباحثين والعلماء الذين يجب أن يقتصر جهدهم على البحث العلمي الحقيقي الهادف والساعي للمزيد من الاكتشافات البارزة التي تخدم البشرية من خلال وضع حلول للمشكلات المعلقة حتى الآن.
ويكررون القول بأن تبسيط العلوم عمل يؤدي إلى إفقار العلم ويحد من قيمته، إذ تكون العلوم مقدَّرة من خلال فوائدها ـ حسب رأيهم ـ ولهذا يتحدثون لصالح العلوم التطبيقية المفيدة للبشر، كإنتاج مواد وأدوية طبية، أو صناعة بشر آليون (روبوتات) تنوب عن الناس الحقيقيين في الكثير من الأعمال، إلى آخر ما هنالك من الأدوات ذات النفع الواسع للناس.

تدني مستوى ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† العربي
ومما تجدر الإشارة إليه أن ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† ط§ظ„ط¹ط±ط¨ظٹ متدنية لأسباب كثيرة منها: ارتفاع نسبة الأمية التعليمية في مجتمعنا لحد ما، حيث يلاحظ تركيز أغلبية الناس على وسائط التثقيف ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© السريعة كالراديو والتلفاز وإهمالهم وسائط التثقيف الأساسية في هذا الإطار كالكتب ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© والمجلات المتخصصة، وكذلك قلة الندوات والمحاضرات المركزة على هذا الجانب مقارنة مع الجوانب الثقافية الأخرى، وجهل نسبة كبيرة من الناس بما يحتويه الإنترنت من معلومات علمية قيمة في المجالات المتنوعة وفي غالبية الملفات وبالتالي عدم الاستفادة منه في مجال التثقيف العلمي ذاتياً، كما أن هناك نقصًا في قدرة المدرسين ـ في الثانويات بل حتى في بعض الجامعات ـ على إيصال الأفكار ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© إلى الطلاب بشكل سليم وابتعاد بعضهم عن أسلوب الحوار والنقاش المشجع على المعرفة والبحث والتعمق في تحليل المعلومات والمفاهيم، لاسيما عندما لا يجدون الوسائل المساعدة على ذلك من مخابر متطورة أو أدوات لازمة للشرح، وهكذا نلاحظ من جملة الأسباب عدم تعليم الأجيال وعبر سنين طويلة على أسلوب الاعتماد على الذات في التعليم، إذ لا يكفي أن نحشر المعلومات في عقول الطلاب بل يجب أن نحثهم على البحث عن المعلومات والأفكار الجديدة وعدم الاقتناع مباشرة بكل ما يسمعونه، ولا يكفي أن نحث الطلاب على النجاح في المقررات ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© بل الحرص على الفهم العميق لمحتوياتها ومحاولة تقريبها والاستفادة منها في الواقع الحياتي قدر الإمكان، ولعل قلة عدد منتديات الحوار في المجالات ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† ط§ظ„ط¹ط±ط¨ظٹ مقارنة مع عددها في الدول المتقدمة من جملة الأسباب المفضية لما ذكرناه آنفا.

صعوبات أخرى تواجه نشر ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† العربي
هذا وتواجه عملية نشر ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في العالم صعوبات ليست بقليلة، إلا أنها تبقى محدودة مقارنة مع الصعوبات التي تواجهها في ط§ظ„ظˆط·ظ† ط§ظ„ط¹ط±ط¨ظٹ والتي نعرض بعضاً منها: قلة المجلات ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† ط§ظ„ط¹ط±ط¨ظٹ المتخصصة بنشر ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© مقارنة مع المجلات المتخصصة في مجالات أخرى، وقلة عدد الصفحات المتخصصة لهذه ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© في الصحف العربية مقارنة مع ما يقابلها في مجالات أخرى، قلة عدد الباحثين العرب الذين يكتبون في مجال ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© مقارنة مع عدد الباحثين الذين يكتبون في المجالات الأخرى، وذلك لعدة أسباب:
ـ منهم من يدعي أنه لا يريد إضاعة الوقت في مثل هذه المقالات.
ـ ومنهم من ليس له قدرة على إيصال الفكرة ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© الأكاديمية إلى مستوى أدنى من الأكاديمي.
ـ ومنهم من ليس لديه أسلوب إنشائي يسمح له بإعداد مقال مناسب.
ـ ومنهم من لا يتابع الأخبار ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© الحديثة وبالتالي لا يملك أفكاراً جديدة مناسبة للطرح في المجلات العلمية.
ـ عدم تقدير الجهات المعنية في الجامعات لمثل هذه المقالات، سواء في مجال الترقية الأكاديمية أو الإدارية.
ـ عدم وجود مردود مادي مناسب لمن يقوم بهذا النوع من الكتابة.
ـ إضافة إلى عدم وجود صيغة واضحة للتعامل بين كتاب هذا المجال مع معظم إدارات تحرير المجلات.
ـ عدم تمكن الكتاب من الحصول بسهولة على صورة ملونة تناسب المقالات التي يكتبونها كونهم أكاديميين ـ وهذا ترفضه إدارات تحرير المجلات ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© التي تطلب باستمرار الصور الملونة المتفردة كي تحظى المقالات بالنشر السريع، وهذا أمر منطقي لأن للصور الملونة دوراً بارزاً في فهم وتبسيط المعلومات.
ـ صعوبة الكتابة باللغة العربية ـ في بعض الأحيان ـ في مجالات علمية حديثة جداً، وخاصة في المواضيع التي تحتاج لمختص حقيقي في المجال المطروق ذاته، وهذا ما يلاحظ عند الإطلاع على موضوع علمي منشور في مجلات مختلفة، إذ نجد فارقاً كبيراً في القدرة على التعبير عن مصطلح علمي بين كاتب وآخر أو مترجم وآخر. وهذا يعني وجود قصور في الترجمة ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في وطننا ط§ظ„ط¹ط±ط¨ظٹ وفي وقتنا الحالي، في الوقت الذي يوجد تسارع هائل للاكتشافات التقنية في العالم المتقدم يشمل مجالات الحياة كافة، كما يوجد اهتمام كبير في نشر الترجمات ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© عن اللغات الأخرى.

مجلات ومراكز علمية متخصصة بنشر ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© العلمية
وطالما نحن في إطار الحديث عن ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© العلمية، ينبغي التذكير ببعض المجلات الأجنبية والعربية التي شقت طريقها في هذا المجال الهام المتعلق بالقسم الأكبر من الناس في العالم. ففي اللغة الإنجليزية نذكر مجلة Scientific American، وفي الفرنسية نذكر La Recherche وفي اللغة الأسبانية نذكر Muy Interesanteوفي اللغة العربية نذكر مجلة التقدم العلمي ومجلة العلوم والتقنية، هذا بالإضافة إلى العديد من المجلات الثقافية العامة التي تنتشر في كل أعدادها مواضيع مركزة على نشر ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© كمجلة العربي، مجلة القافلة، مجلة الفيصل، مجلة الكويت، المجلة العربية، وإضافة إلى المجلات المتخصصة بهذا المجال، تقوم بعض الجمعيات والمؤسسات والمنتديات والمتاحف ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© بدور هام في تبسيط العلوم في العديد من دول العالم، حيث تقدم لعامة الناس معلومات ومراجع وإرشادات علمية وتعطي منح دراسية للأطفال المهتمين، وتمنح جوائز هامة لكل من يبدي اقتراحات علمية جديدة، حيث لا يمكن لأحد أن ينكر دورها في مجال التربية ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© وحث الأجيال على التفكير العلمي الصحيح. كما لا يمكن إهمال دور المواقع ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© الموجودة على الإنترنت في مجال نشر ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© العلمية، سواء الأجنبية أو العربية، حيث لا تكتفي بأن تُقدِّم الأخبار والدراسات ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© الجديدة والمعلومات الأساسية المفيدة، بمجرد الدخول إليها بل تزيد على ذلك بقيامها بإرسال جميع أخبارها ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© على البريد الإلكتروني لكل من يرغب بذلك لمجرد تسجيل بريده الإلكتروني، وذلك كي تكفيه عناء البحث عن الجديد في موقعها. وليس من الصعوبة الحصول على هذه المواقع، إذ يكفي الدخول لأي محرك بحث واختيار العربية التي نتقنها ومن ثم نطلب المعلومات التي نريد الحصول عليها.
خاتمة
ومما تقدم أرى ضرورة تعميم ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© في ط§ظ„ظˆط·ظ† ط§ظ„ط¹ط±ط¨ظٹ من قبل حاملي هذه ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© القادرين على إيصالها إلى عامة الناس؛ ولكن دون أن يؤثر ذلك على جوهر البحث العلمي وتقدمه، ذلك لأن تقدم البلدان يرتبط بعدد باحثيه الحقيقيين وبعدد مقالاتهم ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© المفيدة وليس بكثرة ما ينشرون من ثقافة علمية شعبية. هذا ويجدر أن نذكِّر بأن هناك باحثين أجانب بارزين كتبوا في مجال ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ظٹط© اقتناعاً منهم بأهمية نشر هذه ط§ظ„ط«ظ‚ط§ظپط© على تقدم بلدانهم والإنسانية بشكل عام، وشعوراً منهم بأنهم الأقدر من غيرهم على القيام بهذا الدور ولو أدى ذلك إلى تخصيص بعض الوقت لذلك الجهد المشكور

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.